إن من دلائل التوفيق أن يثبت المرء على دين الله طيلة حياته، في حال السراء والضراء، وفي حال الشدة والرخاء، ملتزما نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في تجنب مواطن الفتنة، غير أن الناظر في أحوال العالم يجد أن كثير من المسلمين اليوم يمرون بفتن عظيمة، ومحن جسيمة، يوقد نارها إما أعداء متربصون، أو جهلة متخبطون، انحرفوا عن منهج الحق والعدل، فأججوا الصراعات وافتعلوا الأزمات، وكانوا سببا في كل ما أصاب جسد الأمة من وهن وضعف.
عن موقف المسلم من الفتن تحدث فضيلة الشيخ د. رضوان بن حسن الرضوان، الداعية والقارئ، مستهلا حديثه بأن هذه الدنيا هي دار بلاء وامتحان، تلك الحقيقة أقرتها الآيات الكريمات: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2-3]، من أجل هذا لا ينبغي أن يركن المرء إلى الدنيا، لأنها - كما قيل - كلما علت أوحلت، ما من إنسان إلا ويمر بها مرا ثم يرحل ويتركها خلفه، ولن ينفعه إلا ما قدم وعمل في هذه الحياة، والفتن هي الابتلاءات والامتحانات التي يختبرها المرء في حياته، فالله سبحانه يجري الفتن ليميز الخبيث من الطيب، ويظهر الصادق من الكاذب، ولو أردنا أن نستقرئ أحاديث الفتن، وما أكثرها، نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر من فتن آخر الزمان التي يموج الناس فيها، يصبحون متشرذمين، ويمسون متفرقين، فتن تجعل الحليم حيرانا، نراها اليوم رأي العين وقد انساق وراءها العوام، ينشغلون بالمتابعة والتحليل لما يسمعون ويقرؤون على كافة وسائل التواصل من أكاذيب وتكهنات لم تُبنَ على حقائق ثابتة، ولا تستند إلى معلومات موثقة، وإنما هي محض تخرّصات وأوهام، تشيع في المجتمعات البلبلة، وتشغل الرأي العام بما لا طائل من ورائه.
فما موقف المسلم من تلك الفتن؟ أول كل شيء ينبغي على المسلم ألا يخوض في الفتنة برأي أو فعل، ويرد الأمر لأهل العلم وأولي الأمر، وأن يعلم أن تلك الأزمات التي تطرأ على مجتمعاتنا المعاصرة ليست أول الفتن، فتاريخ الأمة مليء بالابتلاءات والفتن، منذ عهد عمر رضي الله عنه وأرضاه، واستمرت في عهد عثمان رضي الله عنه وأرضاه، وحتى يومنا هذا، كلما قُطِع للفتنة ذنب، نبت لها آخر، تحت مسميات ودعاوى جديدة، لكن دائما هناك من يقف لهم بالمرصاد، ولن تقوم لهم دولة بإذن الله.
ينبغي كذلك على المسلم التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لأنهما العاصم من الفتن، وهما المرجع والفيصل بين كافة الفرق والمذاهب والتوجهات.
ثالثا: الاعتصام بجماعة المسلمين وإمامهم، الله جل وعلا يقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]، ذلك الاعتصام الذي جعله الله سببا في النجاة والسلامة في الدنيا والآخرة.
رابعا: تقوى الله عز وجل، ولزوم قول العلماء الثقات الراسخين في العلم، الذين يقولوا القول ويعملون به، والذين لم ينجرفوا وراء الفتن والصراعات الدنيوية.
ويضيف فضيلة الشيخ أنه ينبغي على المسلم الثبات، فلا يغرنك كثرة الهالكين، عليك بإصلاح نفسك وأهلك، اسع واجتهد ولا تستسلم، حتى تنجو من الفتن، ولنا في محنة الإمام أحمد المثل والأسوة، كان بإمكانه أن يقول بقول الآخرين وينجو من الأذى، لكنه ثبت وصمد وتحمل، فسجل له التاريخ موقفا عظيما ومثلا يحتذى سيظل يذكره المسلمون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
إن هذه الفوضى التي تضرب بعض بلادنا هي عين الفتنة، والفساد والإفساد الذي يراد بنا حتى تسقط الأمة في دوامة من الفتن لا يعلما مداها إلا الله، من أجل هذا ينبغي أن نتمسك باتباع المنهج السليم، ونتبع العلماء الثقات، فإن العلم دين، فلننظر عمن نأخذ ديننا، كفانا الله شر الأهواء والفتن، وصرف عن بلاد المسلمين كيد الكائدين.